Top Ad unit 728 × 90

ابرز الأخبار

اخبار

على أعتاب الجامعة : الطالب بين الواقع و المأمول (2)

على أعتاب الجامعة : الطالب بين الواقع و المأمول (2)
على أعتاب الجامعة . الطالب بين الواقع و المأمول (2) لرضوان أجناتي
 بقلم : رضوان أجناتي  
طالب بمسلك الدراسات القانونية
الكلية متعددة التخصصات بآسفي
هذا هو الجزء الثاني من مقال “على أعتاب الجامعة: الطالب بين الواقع و المأمول“، و إنه لمن نافِلة القول التذكير بما سبق بيانه في الجزء الأول باختصار شديد.
تطرقت في الجزء الأول من هذا المقال لـ “واقع” التلاميذ الذين قرروا استكمال دراستهم بالجامعة بعد تحصيل شهادة الباكالوريا، و كان حديثي آنذاك مركزا بشكل دقيق حول واقع الاضطراب و الحيرة التي يقع فيها هؤلاء التلاميذ قُبَيل التسجيلِ بالجامعة، و جئتُ على ذكر بعض أسباب ذلك، لكن كلامي حينها كان بشكل عام و لم أفَصِّلِ القولَ نظرا لمُقتَضى حَالِ المُخاطَبِ –وهو التلميذُ- حتى لا أغْرقه في كَمِّ التفاصيل التي قد لا تغنيهِ حينها في شيءٍ.
ثُم ضمَّنتُ في المقال تنبيهات مهمات تقع في اثنتي عشرةَ نقطةٍ، يستطيع التلميذ من خلالها تحديدَ طريقةِ اختياره للمسلكِ (1) الجامعيِّ المناسبِ له و لتخصصهِ و لمعارفه السابقة.
أما في هذا الجزء من نفسِ المقال، فسيكونُ الحديث هنا – ما أمكن ذلك- مركَّزًا على مسلك الدراسات القانونية دون غيره، لكن سيكونُ الحديث طبعاً عن جزئية معينةٍ و هي “المأمول”، و الذي أقصده بها هو ” ما يجب أن يكون عليه حال طالب الدراسات القانونية ” أو ” المؤَمَّلُ منه أثناء دراسته و بعد تخرجه “.
و هذا لا يَمنعُ أن يجدَ بعضُ أصحابِ المسالك الأخرى فوائدَ قد تشملهم في هذا المقال، ولهذا أهيبُ بقرائتهِ من لدُنِ الجميع بِغضِّ النظر عن مسالكهم.
سيشتمل هذا المقال على فرعين اثنين، أولهما متعلق بالحديث عن التزاماتِ طالب الدراسات القانونية أثناء دراسته، و ما يرتبطُ بتلكَ الالتزاماتِ من سلوكياتٍ و أخلاقياتٍ محَددة، ثم ثاني فرعٍ وهو المتعلقُ بالحديث عن الأداءِ الدراسي المطلوب سلكه من طرف الطالب و طرائق تطوير معارفه ومهاراته الدراسية للإفادة منها في ضبط المَستَجَدِّ من المعارف التي لم يَسبِق له الوقوف عليها ، وكذا استيعابٌ أفضلٌ لمتونِ الوحداتِ المدرَّسة المتمايزة فيما بينها.
و كلا الفرعين متعلقينِ ابتداءً بمرحلةِ الدراسة، أي بالمؤمَّلِ من الطالب أثناء سنوات تحصيله العلمي بالجامعة، و كنهاية للمقال سأجعل حديثي عن جزئية ما يجب أن يكون عليه طالب الدراسات القانونية، و هذا الجزء عمَليٌّ بامتياز نظرا لتعلقه بمرحلة ما بعد التخرج.
بداية، سنفترض أنك –عزيزي القارئ- مقبلٌ على الدراسة الجامعية، و أنك اطلعتَ على الجزء الأول من هذا المقالِ (2)، و أنكَ قررتَ اختيار مسلك الدراسات القانونية، و هذا مبدئيا جيدٌ حتى تستوعبَ مَتْنَ هذا الجزءِ الثاني من المقال، و عليه، فعلى أساسِ هذا الافتراض سيكون حديثي مركزا –قدر المستطاعِ- على مسلك الدراسات القانونية دون غيره، إلا أنه قد نَطْرُقُ بعض المسالك الأخرى في إشاراتٍ عابراتٍ أو على شكلِ مقارناتٍ سريعةٍ متعلقة ببعض النقط التي تهم مسلك الدراسات القانونية دون غيرِهِ أو تهم المسالك الأخرى دونَه هوَ.
بعد هذا التمهيد – وقبل الشروع في الحديث عن فرعي المقال المتعلقين بالطالب أساسا- وجب الإلمام بمسلك الدراسات القانونية بشكل عام، و الوقوف على التعريف به و لو يسيرا، والإحاطة بهذا المسلك من حيث ما ينطوي عليه من صعوبات قد تواجه الطالب و كذا ما يتعلق بهذا المسلك من ميزات تجعل منه مسلكا تقف فيه هذه الميزات على نفس درجة الصعوبات، و هذا ممَّا يَنْدُرُ وجوده في العديد من المسالك الأخرى، فمسلك الدراسات القانونية بقدر ما هو مثيرٌ و مميزٌ وشائقٌ فهوَ أيضا مؤرقٌ و صعب و تَبْلُغُ معهُ شُّقَّة الطَّلَبِ مَبْلغًا ليسَ باليُسرِ المأمولِ.
و هذا أوان البدء؛ لقد صار من قَبِيل العُرف أن التلاميذ الذين لا يفقهون كثيرا في الرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء أو العلوم الطبيعية أو اللغة الفرنسية كذلك يختارون المسالك الأدبية في دراستهم الثانوية، و كثير منهم يُرجع هذا لغياب التوجيه التعليمي (أي توجيه المؤسسة التعليمية) أثناء مرحلة الدراسة الإعدادية، و قد يَصِحُّ هذا من وجهٍ بينما لا يصح من الوجهِ الآخر على اعتبار وجود عامل ثان لا يقل أهمية عن غياب التوجيه التعليمي و هو عامل التربية و المتابعة الأسرية (3) للتلميذ، و بالتالي فالاحتجاج المقصور على ضعف التوجيه التعليمي وحده فقط لا يستند لأساس سليم، بل يوجد من الأسباب الأخرى ما يعضِّضُ حجة ضعف التوجيه التعليمي و يؤثر بنفس القدر الذي يؤثر به هذا الأخير على قرارات و توجهات التلميذ، و ليس هذا مقام التفصيل في هذا.
قلت أن ذاك صار أشبه بالعرف في وسط التلاميذ، بل و امتد لغيرهم من مسئولي التربية والتعليم ممن لا خبرة لهم بضوابط و أصول التوجيه التعليمي و الإرشاد التربوي، فليس كل مسئول تربوي هو فاهم لأسس و أصول التوجيه و الإرشاد التربوي، و لهذا تجد أنهم هو الآخرين يساهمون بشكل مباشر –سواء حَسُنَت نواياهم أو لم تحسُن- في ضعف منظومة التوجيه التربوي بل و لا غرابة أن تجد كثيرا من التلاميذ يحملون تمثلات ذهنية سلبية عن مكاتب التوجيه و الموجهين التربويين في كل مؤسسة تعليمية.
و لا نستغرب أن أساس الاضطراب و الحيرة التي يقع فيها المقبل على اختيار مسلك جامعي يرجع في الأصل لهذا الإرث السلبي من التصورات الواهية و التمثلات الذهنية القاصرة للتلاميذ عن مؤسسات التوجيه، و لا سبيل إلى إصلاح هذا الخلل إلا بسن القوانين التي تحد من عشوائية العمل التوجيهي وقصره بقوة القانون على المتخصصين دون غيرهم و إلزام غير المتخصصين بتحمل تبعات المسؤولية على عدم التزامهم بإحالة التلاميذ على مكاتب التوجيه المتخصصة.
هذا العرف الذي نتحدث عنه الآن قد وجد طريقه إلى الجامعات، و يكفي الوقوف على الكم الهائل للطلبة الذين يقررون تغيير مسلكهم بعد السنة الأولى –التي يفشلون فيها- أو في بعض الأحايين تجد من الطلبة من يستفسر عن إمكانية تغيير المسلك مباشرة إما بعد إنهاءه للفصل الأول و وقوفه على نتائج غير مرضية في امتحانات الفصل، و إما مَن تسوء حاله لدرجة تفكيره في تغيير المسلك و لم يحن بعد وقت الامتحانات الفصلية، و هذا قد وقع و لا زلنا نسمع بوقوعه من حين لآخر مع الأسف.
و شخصيا أعرف كثيرين ممن قرروا أن يغيروا مسلك الدراسات القانونية بعد أن تم الإعلان عن تضمين مادة اللغة الفرنسية القانونية ضمن وحدة المصطلحات القانونية التي يتم تدريسها كوحدة مستقلة ضمن الوحدات السبع الخاصة بالدورة الخريفية، و لك أن تتصور عزيزي القارئ أن مجرد ذكر مادة اللغة الفرنسية كمادة ضمن الوحدات المدرَّسَة كفيل بأن يربك مئات الطلبة و يدفعهم لتغيير المسلك أيا كان، فما بالك بلغة فرنسية قانونية! هذا هو حال الطالب الجامعي الذي يدرس لمجرد تحصيل شهادة جامعية وتحصيل عمل و لا يهمه تحصيل المعرفة و العلم اللازمين للدفع بعجلة التقدم العلمي في هذا البلد مع كامل الأسف، و لا طالما قلت أن الطالب الذي لا يهتم إلا بتحصيل الشهادة الجامعية للحصول على عمل ليس بالطالب الذي نراهن عليه لتطوير الدولة و العمل على دفع عجلة التنمية فيها للأمام.
قديما قيلَ أن آخرَ هذا الأمر لن ينصلح إلا بما صَلُحَ به أوله، و لا ريب أن هذا كلام سليم، ولست أرى شخصيا أن المسألة تتطلب مجهودات خرافية بل هي مسألة تحتاج همما و إرادةً جمعيةً و عملاً توعوياً على مستوى المؤسسات التعليمية –سواء الخاصة منها أو عامة- و كذلك على مستوى مؤسسات العمل المدني التي تركز أساسا على جانب التنمية الاجتماعية و الاقتصادية و تغفل كثيرا جانب التنمية المعرفية والفكرية و تقوية روافد العلم في بلد نسبة الأمية فيه تكرس الصورة السلبية للمجتمع المغربي في العالم العربي و العالم الغربي على حد سواء.
يتساءل كثيرون عن مسلك الدراسات القانونية، عن طبيعته و الوحدات التي يتم تدريسها فيه، و آفاقه و العديد من المعلومات الأخرى، و أملي في هذا المقال أن ألمس بعض تلك المسائل و لو بإيجاز نظرا لعدم تركيز المقال عليها بالأساس.
أولا يجب أن تعلم أن الدراسات القانونية تتجاوز العلوم القانونية لغيرها من العلوم الشرعية وغير الشرعية، فتتكامل معها و تنهل منها و لهذا تجد أن أكثر الناس يجدون صعوبات جمة في الإلمام بجميع وحدات مسلك الدراسات القانونية نظرا لهذا الزخم الهائل من العلوم المتنوعة التي تجدها متضمنة في تلك الوحدات.
إنهُ حالَ اختيارِ مسلك الدراسات القانونية باللغة العربية يجد الطالب نفسه مطالبا بالاعتناء بلغته العربية درايةً و أداءً، و لن يكون في حاجة لجميع علوم الآلة لكنه سيكون مطالبا بتحسين مهاراته اللغوية و اعتناءه بالإملاء السليم و اللغة الواضحة الخالية من الركاكة و الهلهلة كما تخلو كذلك من التكلف والمحسنات البديعية و البلاغية التي لن تكون ذات نفع في مسلك الدراسات القانونية. و يخطئ كثير من الطلبة الذين يظنون أن الدراسات القانونية لا تحتاج مهارات لغوية –سواء متعلقة باللغة العربية أو غيرها- بل من الغلط الشديد القول أن الدراسات القانونية لا تتطلب إلا فهما عاديا و ذاكرة قوية، و هذا لم يقف على بيان غلطه إلا من اندرج في سلك الدراسات القانونية.
فما الذي يجعل من الاعتناء باللغة العربية ضروريا لطالب الدراسات القانونية؟ هذا السؤال نجد جوابه بعد معرفتنا للمحاور التي يتم تدريسها في مسلك الدراسات القانونية العربية، و لن نكون في حاجة للبرهنة على ما قلناه بعد ذلك.
إن طالب الدراسات القانونية يجد نفسه في السنة الأولى أمام وحدات شرعية بحتة كالشريعة الإسلامية و ما تتضمنه هذه من دراية بالسنة النبوية و ما يتعلق بها من بعض العلوم التي تشكل أهم أسسها كالفقه و أصوله، و كذلك علم مصطلح الحديث خصوصا، و كذلك تجد قسما متعلقا بالقانون العام الإسلامي، و هاته كلها تدرس بلغة عربية و تجد لها ترسانة اصطلاحية –قاموس اصطلاحي غني- خاصة بها يجب ضبطها، فحسبك تلك المصطلحات المتعلقة بأصول الفقه و علم المصطلح –أي الحديث- لتعرف مدى صعوبة المادة – على الأقل بالنسبة لأولئك الذين لم يتخصصوا في تلك المواد أثناء دراستهم الثانوية.
و يجد الطالب نفسه أيضا أمام وحدة أخرى مركبة من علمين مختلفين هما العلوم الاقتصادية وعلوم التدبير، و كلاهما يتم تدريسه باللغة العربية، هذا و قد ضربت مثلا على هاته العلوم فقط وإلا فيوجد أخرى لا تقل أهمية و صعوبة عن تلك التي ذكرت الآن، و جميعها تدرَّس باللغة العربية، ولهذا تجد أن العمود الفقري للدراسات القانونية هو اللغة العربية، على الأقل بالنسبة لمن اختار المسلك الخاص باللغة العربية –كما يوجد في الكلية متعددة التخصصات بآسفي- لا ذاك الخاص باللغة الفرنسية كما في مراكش و غيرها.
و لا أظن أنه بعد هذا الكلام تبقى حجة لأولئك الذين لا يعتدون بضرورة إتقان و ضبط اللغة العربية و الاعتناء بها كتابة و نطقا كذلك، إذ أن الامتحانات الشفوية لا تُؤدَّى إلا بها، و كذلك المناقشات العلمية للبحوث و غيرها.
هذا فيما يتعلق ببعض الوحدات المدرسة في مسلك الدراسات القانونية و دفع الدعوى العريضة الخاصة بعدم جدوى إتقان اللغة العربية في هذا المسلك، و لولا ضيق المقام لبسطت الكلام حول أكثر من نقطة متعلقة بهذا الشأن.
أما ما يتعلق بآفاق الدراسات القانونية فكثير من الأوهام عالقة في عقول الناس بهذا الشأن، وأكثرها لا يصح، فالأكثرية الغالبة تعتقد –خطأ- أنه لا تتيح الدراسات القانونية لصاحبها إلا إحدى مجالين بعد التخرج و هما: سلك القضاء و سلك المحاماة، و هذا من الخطأ الشائع و الغلط الشديد، و للوقوف على آفاق الدراسات القانونية يمكن الرجوع للعديد من المقالات التي تبسط القول بهذا الخصوص، و منها ما يجده الطلبة منشورا على صفحات المنتدى الطلابي الخاص بكلية العلوم القانونية و الاجتماعية و الاقتصادية لابن زهر بأكادير، ففيها من المعلومات القيمة ما يُغني عن ذكره هنا، ليخرج القارئ بعد ذلك بما يفيد أن آفاق الدراسات القانونية أوسع بكثير مما يظنه الناس، بل و أغنى بكثير من مسالك جامعية أخرى عديدة.
يمكننا بدون أدنى مبالغة اعتبار مسلك الدراسات القانونية العمود الفقري لكافة الشعب الجامعية، فأنت تجد في هذا المسلك منها جميعها، و لا تعجب لهذا، فهذا المسلك يتيح لك معرفة باللغات، و الاقتصاد، و التدبير، و الفلسفة، و الفكر السياسي، و الاجتماع، و التربية، و علوم الشريعة، و القانون الإسلامي، و التاريخ، و مناهج البحث العلمي، هذا ناهيك عن علوم القانون التي تشكل نواته و أسَّه الأصيل، فهاته كلها تشكل ذلك الخيطَ الناظم Le fil conducteurللمعرفة الجامعة و الفكر الإنساني بكافة تجلياته، و لا ريب أن تجد الطالب المتميز في الدراسات القانونية طالبا موسوعيا يدلي بدلوه في شتى المجالات العلمية و الحقول المعرفية، و هذا لا يثير الغرابة في شيء إن وقف القارئ على الوحدات التي يتم تدريسها في مسلك الدراسات القانونية، وعلى تنوعها الرائع و تباينها الرهيب و المثير في آن معا.
و هذا أوان البدء في الحديث عن الفرع الأول المتعلق بالتزامات طالب الدراسات القانونية أثناء دراسته –تحصيله الأكاديمي- و ما يرتبط بتلك الالتزامات من سلوكيات و أخلاقيات محددة.
الفرع الأول : الالتزامات و الأخلاقيات
ارتأيت قبل بسط الكلام حول هذا الفرع أن أشير إلى جزئية مهمة متعلقة بهذا الفرع، أو بالأحرى وجدت ذكرها هنا متعلق أكثر بفحوى هذا الفرع، و هذه الجزئية خاصة بالفروق بين الدراسة الثانوية و الحياة الجامعية، إذ أن الكثيرين لا يقفون على أهمية تلك الفروق فيعقب هذا نتائج وخيمة و آثار سيئة جدا على مشوا الطالب التعليمي.
و سأشير في شكل جد مختصر إلى أبرز تلك الفروق فقط حتى لا نطيل مادة المقال،و هذا بيان أبرز الفروق :
– في الدراسة الثانوية تكون عليك رقابة أسرية تنظم تحصيلك الدراسي على عكس الحياة الجامعية التي تنعدم فيها تلك الرقابة لأسباب كثيرة، و إن كانت تضعف عند البعض دون أن تنعدم كلية.
– في الدراسة الثانوية تُحاط بمتابعة الأساتذة لك و يراقبون مستويات مواظبتك و يتحرون أداءك لواجباتك على عكس الحياة الجامعية التي ينعدم فيها ذلك.
– في الدراسة الثانوية يُنتَبَه لتعثرك في التحصيل الدراسي بشكل سريع يستدعي معه تدخلات حازمة و فعالة لإقصاء تلك العثرات، أما في الحياة الجامعية فبالكاد يعرف أحدهم اسمك، و بالتالي فلا ينتبه أحد لتعثرك و لا ينبهك.
– في الدراسة الثانوية تكون محكوما بجدول حضور صارم تبرر فيه الغيابات على عكس الحياة الجامعية التي تكون فيها حرا غيرَ ملزم بتبرير غيابك هذا إن لاحظه أحد أصلاً!
و أما من يريد الوقوف عليها بشكل مفصل فله الرجوع إلى الصفحة 18 من كتاب“عشرة أشياء تمنيت لو عرفتها قبل دخولي الجامعة – دليل عملي للطلاب و الطالبات” للدكتور ياسر عبد الكريم بكار، طبعة دار وجوه للنشر و التوزيع، الطبعة الثانية 2010م، و إن كنت أنصح الطلبة بقراءة الكتاب كله لما فيه من فوائد جمة.
يحمل الطالب معه إلى الجامعة منذ بداية يومه الأول أفكارا قبلية و تمثلاث ذهنية عن الجامعة -سواء صحت تلك أم لم تصح- ليجد نفسه في دوامتين، دوامة التكيف مع المحيط الجديد، ودوامة تصحيح التصورات و التمثلاث الذهنية القبلية، و لهذا يكون أغلب الطلبة الجدد يعيشون ما يمكن الإصلاح عليه ب ” الفضول المجالي”، و هو حالة نفسية تتمثل آثارها على مستوى أفعال الطالب من خلال كثرة تساؤلاته حول كل شيء، حول النظام التدريسي الذي لا يفقه عنه شيئا، وحول الشعب – المسالك-، و الأساتذة و من منهم صعب المراس و من منهم ألين عريكة. ففي هذه الحالة النفسية يحاول الطالب قدر الإمكان فهم كل ما يحيط به، أي فهم المجال، و المجال هنا أقصد به حالة المحيط و البيئة، لا جغرافية المكان، و اختياري لكلمة “مجال” جاء لما تعطيه من شمولية، ففي هذا المجال نجد ما هو تنظيمي، و ما هو تعليمي، و ما هو إداري، و ما هو فكري، وما هو تواصلي، لا ما هو جغرافي. و هنا تمثل الجامعة –أو الكلية- كل تلك المجالات، و لهذا تأخذ تلك المرحلة النفسية أو ما أسميناها ب “الفضول المجالي” مدة أطول للتخلص منها، فهي عبارة عن “تكيف قاهر” لا يجد معه الطالب الجديد بُدًّا من قبوله، و أما أولئك الذين لا يسارعون للتخلص من هذه الحالة فيجدون أنفسهم غير قادرين على التحصيل العلمي و بالتالي يظهر فشلهم بسرعة غير متوقعة و إن كانوا بارعين في الدراسة الثانوية، و يساعد على هذا الفشل أيضا عدم إدراكهم للفروق الكبيرة بين ما عهدوه من نظام دراسي ثانوي و هذا الجديد عليهم و هو الجامعي، وسوف نتطرق لتلك الفروق في الفرع الثاني.
إن خطورة الفشل ليست كما قد يتصور البعض من أنها قد لا تحمل الطالب إلا على إما (أ) تحديد مكامن الفشل لإصلاحها و مسايرة النظام، أو (ب) الخضوع للفشل و تحمل تبعاته و محاولة إيجاد مخرج من الوضع كله بطرح اختيارات جديدة غير ولوج الجامعة.
قد يظن القارئ لوهلة أن تمهيدنا لموضوع “الالتزامات و الأخلاقيات” بذكر الفشل غير متناسق، لكن الذي جعلنا نمهد لموضوع “الالتزامات و الأخلاقيات” بذكر الفشل هو الخطورة التي لا تمثلها لا النقطة (أ) و لا النقطة (ب)، بل أمر آخر متمثل في النقطة (ج) تغطية سوءة الفشل من خلال اللجوء للحلول الغير أخلاقية.
و هنا تكمن الخطورة التي تضرب في عمق التزامات الطالب و أخلاقيته التي وجب عليه تمثلها في كل مراحل تحصيله الأكاديمي، و لا عجب أن نرى حتى من بين طلبة مسلك الدراسات القانونية من يلتجئ لطرق يجرمها القانون و العرف و الأخلاق لتحقيق النجاح.
و لهذا نرى أن ما بدأ أول الأمر بمرحلة نفسية بحتة أسميناها ب “الفضول المجالي” قد تمتد عند من لا يجد سبيلا للتخلص منها إلى الانتهاء في “أزمة أخلاق” و صراع نفسي داخلي مع فكرة “تحقيق النجاح” بغض النظر عن الوسائل التي تفضي إليه، و كأننا أمام “ماكيافيللية سيكولوجية” بامتياز، تراهن على تحقيق الجيد من خلال سلوك السيء.
الفشل أو حتى الإحساس بالوقوع فيه –و لو مؤقتا أو جزئيا- يدفع الطالب لسلوكيات غير مشرفة و لا تمثل روح المنافسة الشريفة المفترض أن تسود الوسط الطلابي، و لا عجب أن نرى أول آثار الفشل متجلية في “الغش في الامتحانات”، و غيرها من السلوكيات المريضة التي لا يقبل بها إلا الفاشلون بالطبيعة.
إن التزامات الطالب تقع في إطار ما هو أدبي و ما هو عملي، و هذا بيان أهمها :
– فهم طبيعة المرحلة، أي إدراك جوهر الجامعة أو الكلية، و الغاية التي تأسست من أجلها، فليس الهم هو هَمُّ تخريجِ حملةِ الشواهد بقدر ما هوَ همُّ توفير مرتعٍ خصبٍ لتلقيح الأفهام بالضرورات العلمية و الأسلحة المعرفية التي تفيد في تخريج بناة الدولة و تكوين أطر تساعد في إرساء دعائم التقدم العلمي لهذه الدولة، و لهذه الغاية الكبرى تم رصد كل ما هو ممكن من الإمكانات من طرف الدولة لجعل تلك الأمكنة –أي الجامعات و الكليات- مراتع خصبة و محيطا يتوافق وَ الغاية الكبرى، و لا يجب أن نكون سطحيين في تفكيرنا و غوغائيين لمجرد أن بعض الجامعات أو الكليات ليست على المستوى المطلوب من الجاهزية لتحقيق تلك الغاية، بل يجب علينا أن نكون أعمقَ في تفهمنا لكثير من الإكراهات التي يعاني منها قطاع التعليم العالي و مؤسساته، فعوامل كثيرة إن تم أخذها بعين الاعتبار تجعل تلك الإكراهات أمرا عاديا، و من تلك العوامل ما هو متعلق بالدولة كاقتصاد الدولة، و نسبة الأمية، و غيرها و منها ما هو متعلق بالمؤسسات التعليمية العالية كقلة الشراكات العلمية و ضعف البحث العلمي و الاستيعاب الغير شامل للعديد من المسالك وسوء التخطيط الاستراتيجي و التطوير البطيء لآليات الحكامة التي تبدو متعثرة بشكل قوي، وكذلك الاعتبارات المالية التي تساهم بشكل قوي في تأخير تحقيق أهداف البرنامج الاستعجالي بالشكل المطلوب و الوقت المقرر، هذا ناهيك عن الكثير من الإكراهات الأخرى، لكن هذا كله ليس ذريعة لضرب قيمة مؤسسات التعليم العالي و غاية وجودها الأسمى، و لهذا ننصح بفهم طبيعة المرحلة من طرف الطلاب، فلا تتحجَّج بتلك الإكراهات لتبرير فشلك أو عدم استيعابك للنظام الجامعي.
– اعتبار سنوات الجامعة هي مجرد أولى العتبات لبلوغ القمة، فإن كان تحصيل شهادة الإجازة ليس هو كل شيء، فمن باب أولى أن لا يكون تحصيل دبلوم الدراسات الجامعية العامة DEUG هو كل شيء. إن الأحلام الصغيرة لا تنشئ مستقبلا إلا بالقدر الذي يتخيلها فيه صاحبها، لكن الأحلام الكبيرة يعيش صاحبها لذة على طول مشوار بلوغ تحقيقها، ففي كل مرحلة يكون قد بلغ من الأحلام الصغيرة ما لا ينشغل به عن أحلامه الأكبر. و لكم يكون مؤسفا حقا أننا لا زلنا نسمع بمن يحلم ب “تحصيل ال DEUG” فقط و كأن الإجازة صارت ضربا من الخيال!
– احترام حرمة المكان، و ليس هذا معناه أن مؤسسات التعليم الثانوي أو الإعدادي أو الابتدائي لا يشكل الاحترام فيها مطلبا، فهذه مغالطة، لكن الذي يستدعي هذا الاحترام هو كون أن الطالب صار في منأى عن العين الرقيبة و اللسان الزاجر، فلن تجد في المدرج من يهتم بتقويم سلوكك أو اعوجاجك أو تأنيبك على فعلك، فأقصى ما ستسمعه هو “تفضل بالخروج !”، على عكس المؤسسات السابقة التي كانت تراعي حتى مراقبة سلوكك و تنقيطك عليه هو و غيابك، فهناك كانت العيون ساهرة على تقويمك، أما في الجامعة فيكون هذا التقويم مقتصرا فقط على بعض تصرفاتك التي تضر بالمصلحة العامة بشكل فاضح، و أما غيرها فلن يهتم أحد بك و لا حتى سيعير وجودك اهتماما، و من هنا يأتي التزام الاحترام من طرفك لا كفرض عملي و إنما كواجب أخلاقي بامتياز، وهو بدوره سيخول لك من احترام الآخرين لك بقدر ما تحترمهم و تحترم وجودهم و خصوصياتهم.
– توقير الأساتذة و تقدير مجهوداتهم التي يبذلونها من أجل الطلبة، بغض النظر عن تمايز الأساتذة فيما بينهم، فكل منهم يعمل من أجل نفس الهدف و إن اختلفت وسائلهم التي يسخرونها من أجل تحقيق الهدف من وجودهم في الجامعة، و قد يُعجب الطالب بأستاذ دون آخر، لكن لا يجب على هذا الإعجاب أن يكون تنقُّصاً لمن لم يعجبه، بل يوقر الأساتذة و يبذل غاية عنايته وجهده من أجل نشر ثقافة التوقير تلك و الحرص على تكريس هيبة الأساتذة، و إن اختلف معهم الواحد في الرأي، و لكل طالب أن يسلك الطرق القويمة من أجل الاحتجاج و الاعتداد بصحة رأيه مدعما بما يراه من قوة الأدلة و البراهين دون أن يُسَفِّهَ آراء أستاذه الذي يخالفه. و ليُعلَم أنه متى ما سقطت هيبة الأساتذة سقطت هيبة العلم كله.
– للجامعة أو الكلية مجموعة من الأقسام الإدارية التي تسهر على تسهيل وجود الطالب فيها و الوقوف على توفير الظروف المناسبة لتلقيه و تحصيله العلمي، و من هنا وجبَ على الطلبة أن يتعاملوا مع الإدارة بغير الوجه الذين يتعاملوا فيه مع بعضهم بل و حتى مع أساتذهم، فقد يَعْرفْك أستاذك و يرضى منكَ بإلقاء التحية العفوية بل و مصافحة اليد و ربما إن كنت طالبا مميزا عنده قد يمازحك و يسألك عن أحوال دراستك عند غيره من الأساتذة، لكنك أنت كطالب أمام مسئول إداري ملزم بانتهاج سلوك مختلف تماما عن ذاك الذي تنتهجه مع أستاذك أو زميل لك، فالمسئول الإداري لا يعرف من تكون و لا يهمه من تكون بقدر ما يهمه الحاجة التي من أجلها أمَّمتَ وجهك صوبَ مكتبه، و على هذا الأساس وجبَ التعامل بالكياسة و اللباقة المطلوبين مع المسئولين و الموظفين الإداريين بل و عمال النظافة و من يقومون على الحراسة و الأمن و غيرهم، فهم لا يعملون عندك ولا يتقاضون راتبا منك، بل هم جزء لا يتجزأ من المنظومة الجامعة للمؤسسة التي تدرس بها، وهذا الجزء هو فاعل بشكل كبير في تحقيق الراحة لك و تأثيث المحيط بما يناسب وجودك للتحصيل العلمي.
– طالب الدراسات القانونية هو سفير مسلكه الذي تُحسب عليه كل صغيرة و كبيرة، إذ أنَّ تصرفاته محسوبة عليه أكثر من غيره من طلبة المسالك الأخرى، فقد لا يؤخذ على طالب مسلك آخر مثلاً حالَ اكتشاف غِشِّهِ في الامتحان بنفس الشِّدَّةِ التي يُؤخَذُ بها على طالب الدراسات القانونية، و تقريعه و زجره يكونان قاسيان لا لشيء سوى أنه كطالب دراسات قانونية منوط به استلهام روح القانون في كل حركاته قد أخلَّ بهذا العرف، فالغش مما ينكره القانون بشدة كما تنكره الشريعة. و لهذا وجبَ على طالب الدراسات القانونية أن يتمثَّل القانون في كل جزء من حياته، و يعجب المرء حقا كيف تطاوع طالب الدراسات القانونية نفسه أن يغش في الامتحانات و هو المنتَظرُ منه أن يكون حارسا لتطبيق القانون و تكريس الأخلاق في المجتمع، لكن هذا الغش يكون مآله دوما السقوط وما تواتر سماعه من تجارب الطلبة ما يؤيِّدُ هذه الحقيقة، فمآل الغاش الفضيحة مهما طال الزمن، وتبقى الامتحانات الشفوية أول أبرز كوابيس الطالب الغاش التي تؤرق مضجعه.
كانت هاته بعض أهم تلك الالتزامات الأدبية و العملية و قد ضربنا صفحًا عن ذكرها جميعا حتى لا يطول المقال، وهذا أوانُ الشروعِ في تفصيل القول في الفرع الثاني المتعلق بالحديث عن الأداء الدراسي المطلوب سلكه من طرف الطالب و طرائق تطوير معارفه ومهاراته الدراسية للإفادة منها في ضبط المستجد من المعارف التي لم يسبق له الوقوف عليها، وكذا استيعاب أفضل لمتون الوحدات المدرَّسة المتمايزة فيما بينها.
الفرع الثاني : الأداء الدراسي
هنا يتعلق الحديث بالمخزون الفكري للطالب، و بطرق استثمار ذلك المخزون و تنميته وتكييفه مع نظام الجامعة المختلف كليا عما عهده الطالب من قبل.
إن المعارف السابقة التي حصَّلها التلميذ ستشكل علامة فارقة في تميزه من بين المئات من الطلبة الذين سيرتادون الجامعة و ينضمون للمئات الأخرى التي تدرس فيها، و لا طالما استفسر و لا زال الكثيرون من الطلبة لماذا يجدون أنفسهم متأخرين كثيرا عن غيرهم من الطلبة على الرغم من كونهم جميعا طلبة جدد! لا تفسير لهذا إلا ما وَسمناهُ من قبل بالمخزون الفكري من المعارف والعلوم و السابقة، فهي التي تحدد مستوى تميز طالب عن آخر، هذا ناهيك عما يُمايِز طالبا عن آخر من طبائع عقلية محضة تساعد هي الأخرى في تكريس الاختلاف و التباين بين جميع الطلبة.
إن المرحلة الجديدة تستدعي استنفارا من لدنِ الطالب على جميع المستويات، بدءا بما هو نظري بحتٌ و انتهاءً بما هو عَملي خالص، و سنبين كل ذلك فيما يلي:
– تحديد هدف لبلوغه، فأكثر الطلاب يدرسون لتحصيل شهادة الإجازة، و لا يهمهم أي مسلك تأتيهم عن طريقه تلك الإجازة، و لو قمنا ببحث ميداني في الوسط الطلابي نسألهم عن طبيعة أهدافهم لصدمنا واقع وجود قلة قليلة قد سطرت أهدافها مسبقا. و تجدر الإشارة هنا لمشكل عويص يواجه طلبة مسلك الدراسات القانونية الذين تجد أكثرهم متحيرا في تحديد التخصص بين القانون الخاص أو العام بعد تحصيل دبلوم الدراسات الجامعية العامة DEUG، فما الذي يجعلهم يقعون في هذا المشكل إن لم عدم تحديدهم سلفا منذ السنة الأولى أي التخصصين يسلكون ويركزوا على ضبط وحداته وإتقان إشكالاته و الاهتمام بقراءة المراجع فيه و غير ذلك؟ إن هذا المشكل سيبقى إلى ما شاء الله ما لم يتعلم الطلبة أهمية تحديد أهدافهم سلفا. و لن أكون مبالغا إن قلت أني لم أصادف قط لغاية اليوم طالبا اعتنى بهذا الأمر و أولاه من انتباهه ما يدعو لتحديد التخصص الذي يتواءم و يتناسب مع أهدافه و رغبته. و قد يعترض على كلامي هنا المعترض قائلا أنه كيف يتأتى للطالب أن يحدد التخصص –سواء خاصا أو عاما- في السنة الأولى و هو لا يفرِّقُ أصلا بين الاثنين و لا يعرف شيئا عن طبيعة الوحدات المدرَّسةَ فيهما و لا عن آفاقهما؟ و هذا اعتراض منطقي إذا أقصينا اعتبار تحديد الهدف العام من الدراسة في الجامعة، لكنني أتحدث عن تحديد الهدف العام الذي يخرج من صلبه تلك التفاصيل المتعلقة بالتخصصات، و عليه فلا سبيل لقبول ذاك الاعتراض أو الاعتداد به؛ و أضرب مثالا زيادة في التوضيح: ف “محمد” مثلا إن كان محبا للقانون فلا ريب أنه سيختار مسلك الدراسات القانونية؛ و هنا قام “محمد” بتحديد هدف عام، لكن هذا الهدف لن يفي بالغرض و لن يكون سليما إذا علِمنا أن “محمدا” يحب مهنة القضاء، كيف ذلك؟ فهنا على “محمد” أن يُدركَ جيدا أن دراسة القانون الخاص تتيح له إمكانية التميز في امتحان تلك المهنة؛ و هذا ليس معناه أن تخصص القانون العام لا يخول ولوج سلك القضاء، لكننا نتحدث عن علاقة طبيعة الأسئلة التي تجدها في الامتحان و هي وثيقة الصلة بما تدرسه أكثر في تخصص القانون الخاص، و على هذا الأساس وجب دائما على الطالب أن يُدركَ أن تحديد الهدف العام يتقاطع مع الهدف الخاص كذلك، و أن تحديد المسلك مرتبط بفهم طبيعته فهما تاما من خلال الوقوف على تفاصيل الوحدات المُدرَّسة فيه و تخصصاته و آفاقه و كل ما يتعلق به، كل صغيرة و كبيرة فيه، فيجب على الطالب استيعاب كل شيء.
– ضرورة تثمين الوقت، فأكثر الطلاب الذين فشلوا و لازالوا يفشلون هم ممن لم يفقهوا قيمة الوقت و لم يحرصوا على تنظيم شؤونهم الحياتية و التوفيق بينها و بين مواقيت مراجعاتهم لدروسهم.
– وضع برنامج عملي خاص باستثمار الأوقات الفارغة، و أكاد أجزم قطعا أن لا أحد يفعل هذا – و هذه حقيقة لا يمتري فيها اثنان، و حتى إن فعله أحدهم لمدة معينة وجد نفسه بعد ذلك غارقا في شؤون أخرى تثنيه على المُضِي في إنهاء برنامجه.
– تقدير أهمية المكتبة العامة و غيرها من المكتبات، و قد نصادف الكثير من الطلبة في المكتبات عاكفون على كتب، لكن القليل منهم يعرف طرق القراءة، و كيفية الاستفادة من الكتاب في أقصر وقت ممكن، لا سيما أن المراجع التي سيكون الطالب مطالبا بالاطلاع عليها كثيرة، و في هذا الصدد أنصح الطلاب بالاطلاع على بعض كتابات رائد التخطيط الذهني أو الخرائط الذهنية المستشار التربوي الإنجليزي Tony Buzan لاسيما كتابه: “The Speed Reading” و له ترجمة عربية أصدتها مكتبة جرير بعنوان : “القراءة السريعة”، و يمكن تحميله من موقع مكتبة صيد الفوائد مجانا، و كذلك توجد كتابات جيدة أنصح بها ككتاب : “القراءة الذكية – كيف تقرأ بذكاء .. بسرعة و بإدراك كبير” للكاتب الصحفي الكويتي الدكتور ساجد العلي، و كتاب: “قراءة القراءة” لفهد الحمُّود، و كتاب: “كيف تقرأ كتابا؟” للدكتور محمد صالح المنجد، و كتاب: “القراءة المثمرة : مفاهيم و آليات” للدكتور عبد الكريم بكار. و جميع الكتب التي ذكرت للتو يمكن تحميلها مجانا من على موقع مكتبة صيد الفوائد.
– عدم الاستهانة ب “مجموعات الدراسة” فهي تنطوي على فوائد جمة لا يعيها إلا من ينضم لها، و هدف هذه المجموعات هو تحديد أوقات مراجعة جماعية و الاعتكاف على الدراسة من خلال مقاربة تشاركية Approche Participative تمكن الجميع من الاستفادة و الإفادة، لكن يجب التنبيه على ضرورة التنسيق الجيد و احترام ضوابط العمل في هذه المجموعات، من خلال تحديد سقف معين للأعضاء و الاقتصار على الطلبة و الطالبات الجادين، و تحديد مواعيد زمنية و إقصاء كل من يتغيب بدون عذر مبرر، و غير هذا من الضوابط التي يستحسن أن تكتب على شكل ورقة تدفع لكل عضو حتى يعي أن التزامه نحو المجموعة هو التزام لا هزلَ فيه و أنه يتحمل آثار هذا الالتزام من قرار إقصاءه عن المجموعة، و هذا كله يجب أن يُراعى فيه قليلا من السرية وتفادي العمل في المكتبة لئلا يُشَوَّش على العاملين فيها و روادها، و أن يُتفادى العمل في الأماكن الصاخبة.
– الاهتمام ببعض الأمور الفنية كالاعتناء بتحسين الخط، و إنه لمنَ المحزنِ حقا أن نرى أن أكثر الطلبة يستهينون بهذا الأمر، و لكم كان سوء الخط سببا في تحصيل العلامات السيئة في الامتحانات، و لا عُذرَ حقا لأحد بهذا الخصوص، و عليه لا يجب على الكتابة باستخدام الحاسوب أن تُعَوِّضَ الكتابة اليدوية، أو على الأقل أن تضيق دائرة الكتابة باستخدام الحاسوب إلا فيما تستدعيه الضرورة.
– ضبط مهارات التعلم و التفكير، و إنه لمن المؤسف أن يخلو مسلك الدراسات القانونية –و هذا من المقطوع بصحته و لا أجزم بخصوص الباقي من المسالك الأخرى- من مادة السنة الأولى تتناول مهارات التعلم و التفكير و لو بشكل مبسط، و أرى أنها لو أُدرجَت ضمن مدخل العلوم القانونية و الاجتماعية لكان أفضل. و قد وقفت على تدريس مقرر مادة مهارات التعلم و التفكير بجامعة الملك عبد العزيز و كذلك جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن و كلاهما بالمملكة العربية السعودية، و توصيف المقرر جد رائع إذ أن هدفه يركز على مهارات و استراتيجيات التعلم الذاتي وطرق تنظيم وتحسين التذكر، مع التركيز على مهارات التفكير المحورية و التفكير الإبداعي والتفكير الناقد وأساليب تنميتهم، و في وحدات المقرر يتم تدريس مهارات عديدة منها التلخيص و الاختصار و غيرها كثير، لكن الذين دفعني للإشارة لمهارات التعلم و التفكير هو مهارة التلخيص و الاختصار و كذلك مهارة تكثيف الأفكار و توسيعها، و كثير من الطلبة مع الأسف غير متمكن من هاته المهارات و غيرها، مع العلم أنها هي عمود التلقي أثناء إلقاء المحاضرات، و لأنهم غير متمكنين تجدهم يعتمدون على تلخيصات الدروس المتاحة على المشباك (أي الأنترنت) دون أن يعووا ما لهذا من آثار سلبية على استيعابهم، فهم بفعلهم ذلك قد فقدوا فرصة استعراض و تحليل المادة المراد تخلصيها، و كذلك اعتمدوا على مختصرات و تلخيصات قد تُقصي كثيرا من المعلومات التي هم في حاجة لها، و من هنا تأتي خطورة التلخيصات الجاهزة، فمن يقوم بها يقوم بذلك باعتبار فهمه هو واستيعابه هو لا غيره، و كأننا أمام خارطة طريق لا يفهم مفاتيحها الهامشية إلا من وضعها.
– تنويع مراجع المادة الواحدة، و هذا معناه أن يقوم الطالب بالاطلاع على مراجع علمية وبحوث و دراسات تتناول الوحدة التي يتم تدريسها، و هذا من شأنه أن يفتح على الطالب ما قد يستشكل عليه فهمه في مرجع الأستاذ الرئيس أو المُقترح، و لهذه الطريقة أثر إيجابي كبير، و لا يُنصَح بها للطالب ضعيف المستوى و قصير النَّفَس في القراءة، لأنها قد تشتت تركيزه على مقرر المادة التي يدرسها.
– وجوب الاعتناء بالنصوص القانونية و قراءتها في كل آن، و الذي يبعث على العَجب والاستغراب دائما هو طالب الدراسات القانونية الذي لا يملك حتى نص الدستور المغربي و يريد التفوق! و هذا إن لم نقل من العار فهو من العيب! و من فرط الخيبة نجِد من يُعلِّل عدم اقتناءه للنصوص القانونية بقلة ذات اليد، لكن قلة ذات اليد تلك لن تكونَ عذرا لتبرير الفشل في الدراسة، لأنها بكل بساطة ليست عذرا. فما الذي يمنع طالب مسلك الدراسات القانونية في سنته الأولى أن يقتني نص الدستور المغربي في نسخته العربية فقط و هي لا تتجاوز 20 درهما، و مدونة التجارة التي لا يتعدى ثمنها 32 درهما، و ظهير الالتزامات و العقود المغربي الذي لا يتعدى هو الآخر 32 درهما، و مجموعة القانون الجنائي و لا تتعدى 32 درهما هي الأخرى، و هذا أقل ما يجب عليه اقتناءه إن تجاوزنا و قبلنا عذر قلة اليد الذي يحتج به، و يخصص في سنته الثانية مالا لاقتناء النصوص القانونية الخاصية بتلك السنة، و هكذا سيكون عنده مكتبة النصوص القانونية التي سيحتاجها في كل مسيرته الدراسية بل و حتى في مشواره الأكاديمي و كذلك المهني.
– وجوب الاهتمام بتجميع الامتحانات و تخريجاتها من على المشباك، و هذا نادرا جدا أن تجدَ من يقوم به، و يا حبذا لو يعرف الطلبة قيمة هذا الفعل، و من المنتديات التي تعتني بنشر الامتحانات الخاصة بمسلك الدراسات القانونية و الاجتماعية و الاقتصادية منتدى كلية العلوم القانونية والاقتصادية ابن زهر بأكادير، و هو رائد في هذا و لا يوازيه إلا بعض المواقع، مع العلم أن المنتدى يتفوق عليها باعتماده على التفاعل الآني و عدم اقتصاره على النشر فقط، و كذلك اعتماده على موقع التواصل الاجتماعي Facebook.
– الاستهانة بالحضور و التلقي المباشر من الأساتذة، و هذا لا يُعلمُ ضرره إلا من خلال آثاره، و هاته الآثار لا تظهر إلا بعد فوات الآوان، و مما يزيد الأمر سوءا هو الاستهانة بقيمة ” الأعمال التوجيهية” Les Travaux dirigés أو اختصارا TD، و هي التي تشكل المتنفس المثالي لتفادي مشاكل المدرج التي تتمثل أساسا في عدم التفاعل مع الأستاذ المُحاضر من خلال الأسئلة خصوصا، و نحن دائما ما نسمعُ الطلبة يتذمرون و يُكثرون من النقد اللاذع للإدارة الجامعية و في المقابل يتغيبون عن حصص الأعمال التوجيهية التي لم تُعتمد حصصها إلا من أجل خلق متنفس للطلبة حتى يتفاعلوا مع الأساتذة بشكل مريح على عكس ما يحصل في المدرجات، و إن كان الواقع الذي يغفل عنه الطلبة أن كثيرا من الطلبة أنفسهم هم السبب الأول و الأخير في مشاكل المدرجات، لا لشيء سوى أنهم لا يلتزمون الصمت أثناء إلقاء المحاضرات عليهم، و لا ينضبطون بالحضور للمدرج في الوقت المخصص للحصص، و لو تتبعنا السلوكيات المشينة التي تتخلل هذا وذاك من استخدام للهواتف النقالة و الخروج من المدرج قبل انتهاء المحاضرة و غير هذا لما انتهينا، و لما جازَ في واقع الحال أن يتذمر الطلبة من أي شيء مطلقا، بل وجبَ على الأساتذة التذمر لا الطلبة.
و أظن أنه سنتوقف عن ذكر المزيد حتى لا يطول الكلام فنُفوِّتَ إلقاء الضوء على المُؤَمَّلِ من طالب الدراسات القانونية، سواء أثناء تحصيله أو بعده.
سبق الإشارة من قبل أن طالب الدراسات القانونية هو سفير مسلكه، و أن نوعية دراسته تلك تفترض لاعتبارات عديدة أن تتناسب سلوكياته مع تلك الدراسة، و أن الخطأ الذي يَبْتدَرُ منه يقتضي لوما و تأنيبا أشد مما لو ابتدر نفس الخطأ طالب مسلكٍ آخر، و قد ضربنا مثالا للغش في الامتحانات على ذلك، و على هذا الأساس قلنا أن طالب الدراسات القانونية هو سفير مسلكه أكثر من غيره.
إنَّ المنتَظَر و المُؤَمَّلَ من طالب الدراسات القانونية أن يكون مثالا يعكس مسلكه الذي سلكه في الجامعة، و أن يتمثَّل القانون في كل شيء و يستحضرَ وُجوده في حياته عموما قبل دراسته خصوصا، و الواجب عليه أن يعي أنه سيكون لبنة أصيلة في صرح الدولة، و أساسا من أسس نماءها و تطورها، و الواجب عليه أن يسعى قدرَ الإمكان أن يكون موسوعيا في تفكيره من خلال تعلمه لكل ما من شأنه إعطاء صورة مثلى عن طالب الدراسات القانونية المثالي، و أن لا يهَوِّنَ من شأن العلوم الأخرى فيجعل القانون أسماها و أعلاها، لأن العلوم تتكامل فيما بينها، بل يجب عليه الاعتناء بثقافته الشرعية و الدينية أولا لوثيق صلتها بمسلكه، ثم يستتبع ذلك بالاعتناء بثقافته الفكرية كذلك، فلا يجب أن يَظُنَّ الناس أن طالب الدراسات القانونية هو إنسان سطحي لا يتصوَّرونه إلا غارقا في جدالات السياسة و تجاذباتها التي لا تنتهي، و عاكفا على كل ما له علاقة بالقانون دون أدنى اهتمام بالفكر و الثقافة و الأدب و غيرها من الفنون.
إن طالب الدراسات القانونية الذي نتطلع لرؤيته هو الإنسان المفكر أولا، قبل أن يكون الباحث المحلل، إنه الشاعر و الناقد الأدبي و الفكري و المهتم بعلم النفس و علوم الاجتماع وعلوم التربية و علوم اللغة، إننا نتطلع لرؤيته مبدعا قبل أن نراه قانونيا، و نتطلع لرؤية الطالب الرياضي قبل أن نرى الطالب المكتبي، فما الذي يمنع من هذا كله؟ لماذا يختزل الطلبة حياتهم المستقبلية فقط في تحصيل عمل و شراء سيارة دونَ أن يفكروا كيف يكونوا جزءا من منظومة بناء الدولة القوية بقوانينها و عدالتها؟
إنَّ الطالب الذي نوَدُّ رؤيته ليس من يتقمص دور الأستاذ أو الدكتور، و يُغالي في الاعتداد بنفسه و كأنه الفقيه القانوني الذي تقوم له الدنيا و لا تقعد، و كأنه أبو عُذرتها؛ جُذَيعُها المُحَكَّكْ وعُذَيقُهَا المُرَجَّبْ. كلا فليس هو هذا الطالب الذي نريده، بل نريد الطالب الذي لا يَكُفُّ عن الطلب، و الذي يطلب المعرفة و العلم في آن.
نريد طالبا يُتقن اللغات الأجنبية، و ليس ذلك الطالب الذي تُرعبه اللغة الفرنسية لمجرد أنه لا يُتقن أبجدياتها. و مما يُؤسَفُ له أن نجدَ عزوف الكثيرين من طلبة الدراسات القانونية عن دراسة وتعلم اللغة الإنجليزية التي تُعتبرُ عمادَ البحثِ العلمي، أليسَ معيبا في حق الطلبة أن نرى من الأساتذة كبارِ السِّنِّ من بدأ يتعلم اللغة الإنجليزية لوقوفهم على أهميتها في إنجاز البحوث العلمية وغير ذلك، في حين نرى الطلبة لا يهتمون إلا بسماع الأغاني الغربية المُبتذلة و الرقص على إيقاعاتها و حفظِ كلماتها الساقطة؟
إن منطق التذمر لا يفيد في البناء في شيء، و كما أنَّ الطلبة في حاجة للحصول على حياة مهنية جيدة، فكذلك هذه الدولة في حاجة لسواعد جيدة تقيمُ بنيانها، فبقدر ما نحن في حاجة لمعرفة حقوقنا، نحن أيضا في حاجة للقيام بواجباتنا، و الأهم من ذاك كله أننا نحن جميعا اليوم في حاجة للتوفيق بين تلك الحقوق و تلك الواجبات بما لا يخِلُّ ميزان تغليب واحدة على الأخرى، لعَلَّ هذا التوفيق يَحُولُ شيئا ما دون تلك النقمة المتنامية على مؤسسات الدولة و التذمر من سياسات المسئولين فيها و القائمين على شؤون تدبيرها، فمنطقُ الاستهجانِ هذا المتفشِّي في الأوساط الطلابية خصوصا هو أزمة تصالح مع الذات لا أزمة تخاصم مع الآخر.
و أتمنى من الله أن يلقى هذا الكلام الذي ختمت به المقال آذانا صاغية من لدنِ الطلبة الذي يعَوِّلُ عليهم في دفع عجلة التنمية لهذا البلد الذي يلقى من تَعَنُّتِ أبناءه أكثرَ ممَّا يلقى من حِقِدِ أعداءه عليه و الله المستعان.
1) المسلك هو المصطلح المقابل لمصطلح “شعبة”، و يستخدم المشارقة مصطلح “مَسَاق” و كلها تعني نفس الشيء.
2) تجده على صفحتي الشخصية على الفيسبوك.
3) اقتصرت على كلمة (أسرية) بدل (أبوية) لشمولية دلالة معناها باعتبار ما تفيده من عدم اقتصار المتابعة على الأب دون الأم –في حال الغياب أو غير ذلك- أو اقتصار المتابعة على طرف ثالث غيرهما –في حال الغياب أو الوفاة أو السفر أو غير ذلك-.
على أعتاب الجامعة : الطالب بين الواقع و المأمول (2) Reviewed by Unknown on 10:23:00 ص Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.