دراسة تحليلية نقدية لمقتضيات القانون 116.12 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة
دراسة تحليلية نقدية لمقتضيات القانون 116.12
المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة
- الطلبة الخاضعين للنظام وشروط الاستفادة من الخدمات
- سلة العلاجات و الخدمات المستثناة من الضمان
- التدبير الإداري و التنظيم المالي لنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة

عبد المغيث جراز
باحث بماستر القانون المدني المعمق
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – أكادير
باحث بماستر القانون المدني المعمق
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – أكادير
تمهيد
يعتبر الحق في التغطية الصحية([1]) و العناية الطبية حقا من حقوق الإنسان الأساسية الذي كرسته مختلف المواثيق والمعاهدات الدولية وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان([2]) و العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية([3]).
و يتبوأ الحق في التطبيب والتغطية الصحية في المغرب مكانة دستورية مهمة في اطار مقاربة تقوم على كونية وشمولية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى جانب الحقوق السياسية والمدنية . بحيث نص الدستور المغربي لسنة 2011 في الباب الثاني المتعلق بالحقوق والحريات الأساسية على مبدأ الحق في العلاج والتغطية الصحية والحماية الاجتماعية .
ولبلورة هذا الالتزام الذي يكرس مبدأ الحق في الصحة كما نصت عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، صدر سنة 2002 القانون 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية([4]) الذي توج جهود المغرب في مجال التأمين الصحي وعزز الحقوق المكتسبة للمواطنين المغاربة المستفيدين حاليا من تأمين صحي إجباري، حيث عمل تدريجيا على توسيع نطاق هذا التأمين ليشمل جميع المواطنين بمختلف شرائحهم الاجتماعية، بدءا بموظفي إدارات الدولة والجماعات المحلية، مرورا بالفئات المعوزة من خلال تمكينهم من نظام المساعدة الطبية المعروف اختصارا ب “راميد – RAMED”، وانتهاءً بالطلبة عبر سن المشرع للقانون 116.12([5])، كما أن وزارة الصحة تعمل حاليا إلى جانب كل القطاعات المعنية على إعداد مشروع التأمين الصحي لأصحاب المهن الحرة والمستقلين، و الذي سيرى النور قريبا.
و قد شكل صدور القانون 116.12 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة نقلة نوعية في اتجاه تكريس الحق في العلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية لهذه الفئة المهمة من المجتمع، و لتحسين الولوج للخدمات الصحية والرفع من جودتها وجعلها في متناول كافة المواطنين والمواطنات. فبفضل هذا القانون سيصبح الطالب منخرطا في الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي وسيستفيد بالتالي على قدم المساواة كباقي المنخرطين من كافة خدمات التغطية الصحية التي يوفرها التأمين الاجباري الأساسي عن المرض حسب ما هو منصوص عليه في مدونة التغطية الصحية .
وفيما يتعلق ببنية القانون 116.12 من حيث الشكل فإنه يتكون من 31 مادة موزعة على تسعة أبواب جاءت على الشكل التالي; الباب الأول : أحكام عامة، الباب الثاني :نطاق التطبيق، الباب الثالث : شروط تخويل الحق في الاستفادة من الخدمات و الاحتفاظ به ووقفه وفقدانه، الباب الرابع : الموارد والتنظيم المالي، الباب الخامس : قواعد الانخراط والتسجيل والتدبير، الباب السادس : الهيئة المكلفة بالتدبير، الباب السابع : العقوبات، الباب الثامن : مدونة التغطية الصحية، الباب التاسع : أحكام ختامية.
أما من حيث الموضوع فقد حدد القانون 116.12 مختلف القواعد العامة التي يخضع لها نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة، من خلال تحديد أصناف الطلبة الخاضعين للنظام وشروط استفادتهم من خدماته، و بيان حالات وقف وفقدان الطالب المستفيد لحقه في هذه الخدمات، ثم العقوبات التي قد تلحق المخالفين، بالإضافة الى توضيح كيفية تدبير وتسيير هذا النظام سواء من الناحية الإدارية التنظيمية أو من الناحية المالية التمويلية، مع إحالته على مدونة التغطية الصحية في كل ما لم يرد به نص خاص كما لو تعلق الأمر مثلا بسلة العلاجات المضمونة و الخدمات المستثناة من الضمان…
بناءً على ما تقدم ووفقا للمراد من هذه الدراسة سنعمل على شرح أهم مقتضيات هذا القانون وفق منهج تحليلي نقدي، وذلك من خلال تقسيم موضوعنا منهجيا الى مبحثين أساسين بحيث يتضمن كل مطلب فقرتين فرعيتين وفق التصميم الآتي بيانه :
- المبحث الأول : نطاق تطبيق القانون 116.12 المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة
المطلب الأول : نطاق تطبيق القانون 116.12 من حيث الأشخاص
المطلب الثاني : الخدمات المضمونة والمستثناة من الضمان
- المبحث الثاني : التدبير الإداري والتنظيم المالي لنظام التأمين الاجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة
المطلب الأول : التدبير الإداري
المطلب الثاني : التنظيم المالي
المبحث الأول : نطاق تطبيق القانون 116.12 المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة
يستفيد في إطار القانون 116.12 المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض مجموعة من أصناف الطلبة بغض النظر عن جنسيتهم سواء كانوا مواطنين مغاربة أو أجانب دون أن يمتد هذا التأمين إلى ذوي حقوق الطالب المستفيد – المطلب الأول – .
كما أن هذا النظام يضمن للمؤمن العديد من الخدمات الطبية والعلاجات مماثلة لتلك التي يستفيد منها باقي المنخرطين من موظفي وأعوان إدارات الدولة والجماعات المحلية و المؤسسات العمومية…، غير أنه بالمقابل يستثني من الضمان عدة خدمات لأسباب ومبررات قد نتفق معها وقد نختلف -المطلب الثاني-
المطلب الأول : نطاق تطبيق القانون 116.12 من حيث الأشخاص
يخضع لنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض وفقا لمقتضيات القانون 116.12 جميع طلبة التعليم العالي العام والخاص([6]) والتكوين المهني العام والخاص – الفقرة الأولى-، شريطة توفر الطالب على مجموعة من الشروط التي من شأن تخلف أحدها حرمانه من حق الانخراط للاستفادة من خدمات هذا النظام – الفقرة الثانية – .
الفقرة الأولى : الخاضعون لنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص الطلبة
حددت المادة 3 من القانون 116.12 نطاق تطبيق هذا الأخير من حيث الأشخاص، وذلك من خلال تعداد لائحة من أصناف الطلبة الذين يخضعون لنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض وهم كالآتي :
- الذين يتابعون تكوينهم في مؤسسة للتعليم العالي([7]) أو لتكوين الأطر التابعة لقطاع وزاري أو موضوعة تحت وصايته([8])، في إطار سلك تكوين يشترط من أجل الولوج اليه على الأقل شهادة الباكالوريا.
- الذين يتابعون دراستهم بطور التعليم النهائي المشار إليه في المادة 2 من القانون رقم 13.01 في شأن التعليم العتيق
- الذين يتابعون تكوينهم بمؤسسات التعليم العام و الخاص بالأقسام التحضيرية لولوج المدارس والمعاهد العليا أو لتحضير دبلوم التقني العالي
- الطلبة المتدربون الذين يتابعون تكوينهم في سلك التقني المتخصص بمؤسسات التكوين المهني العمومية
- الذين يتابعون تكوينهم بمؤسسة للتكوين المهني الخاص مرخص لها في إطار سلك التقني المتخصص، طبقا لأحكام القانون رقم 13.00 بمثابة النظام الأساسي للتكوين المهني الخاص.
والملاحظ من خلال لائحة الطلبة المذكورين أن المشرع قد تنبى مفهوما واسعا لصفة “الطالب” وهو أمر يحسب له لا عليه على اعتبار أن الغاية الاساسية من تنزيل هذا القانون هي توسيع نطاق التغطية الصحية لتشمل مختلف الشرائح الاجتماعية.
غير أنه لابد من الاشارة إلى كون نظام التأمين الاجباري عن المرض الخاص بالطلبة جاء باستثناء للقاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 5([9]) من القانون 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية والتي تقضي بكون التأمين الإجباري الأساسي عن المرض يشمل بالإضافة إلى الشخص الخاضع لإجبارية التأمين الأساسي عن المرض برسم النظام الذي ينتمي إليه أفراد عائلته الموجودين تحت كفالته، شريطة أن لا يكونوا من المستفيدين بصفة شخصية من تأمين آخر مماثل.
بينما نجد المادة 5 من القانون 116.12 جاءت مخالفة لهذا التوجه ونصت صراحة على أنه يستفيد من نظام التأمين الاجباري عن المرض الخاص بالطلبة الطالب لوحده فقط دون أن تمتد هذه الاستفادة لذوي حقوقه على غرار الزوج أو الزوجة أو الأولاد ، وذلك على عكس التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الذي يخضع له موظفي و أعوان الدولة و الجماعات المحلية والمؤسسات العمومية …
ونرى من زاويتنا أنه كان من الأولى تمديد نطاق الاستفادة من التأمين الاجباري عن المرض الى ذوي حقوق الطالب(ة) في حالة ما إذا كان(ت) متزوجا (ة)، خاصة إذا علمنا أن عدد الطلبة المتفرغين المتزوجين بالمغرب محدود جدا ولا يشكل أي عبئ على احتياطيات وموارد هذا النظام، كما أن من شأن تمديد هذا التأمين لأزواج وأولاد الطالب(ة) المتزوج(ة) تيسير مهمته في التحصيل العلمي والبحث الاكاديمي ومساعدته على تكوين نفسه في ظروف اجتماعية واقتصادية مريحة.
الفقرة الثانية : شروط استفادة الطالب من نظام التأمين الاجباري الأساسي عن المرض
من أجل استفادة الطالب من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لا بد أن تتوافر فيه مجموعة من الشروط التي حدد المشرع بعضها بصفة مباشرة، والبعض الآخر بطريقة غير مباشرة و هذه الشروط هي :
- أن يكون حاصلا على شهادة الباكالوريا :
لم ينص المشرع على هذا الشرط صراحة و لكنه يستفاد من خلال لائحة الطلبة الخاضعين لنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض والذين يجمعهم قاسم مشترك واحد هو الحصول على شهادة الباكالوريا أو شهادة التعليم الثانوي بالنسبة لطلبة التعليم العتيق.
- أن يكون مقيدا بكيفية قانونية بإحدى المؤسسات المشار إليها في المادة 3 :
حتى يستفيد الطالب من خدمات التأمين الأساسي الإجباري عن المرض لابد له أن يكون مقيدا بصفة قانونية لدى إحدى المؤسسات المذكورة في المادة 3 من القانون 116.12 وبمفهوم المخالفة فكل تسجيل غير قانوني وغير مشروع لدى إحدى هذه المؤسسات يؤدي إلى فقدان الحق في الخدمات المقدمة علاوة على إمكانية متابعة المؤسسة المعنية و الطالب المعني بالنصوص القانونية والتنظيمية المجرمة لفعل التدليس أو التزييف أو التزوير.
- أن لا يتجاوز عمره 30 سنة :
غير أن هذا الشرط لا يسري على الطلبة الذي يتابعون دراستهم بطور التعليم النهائي المشار إليه في المادة 2 من القانون رقم 13.01 في شأن التعليم العتيق([10])، و قد نصت المادة 10 من هذا القانون بأنه يلتحق بطور التعليم الإعدادي العتيق التلاميذ الرسميون الحاصلون على شهادة التعليم الابتدائي العتيق ، وبطور التعليم الثانوي العتيق التلاميذ الرسميون الحاصلون على شهادة التعليم الإعدادي العتيق ، وبطور التعليم النهائي العتيق الأِشخاص الحاصلون على شهادة التعليم الثانوي العتيق أو ما يعادلها.
- أن لا يكون مستفيدا بصفته مؤمنا أو بصفته من ذوي حقوق مؤمن من أي تغطية صحية أخرى كيفما كانت طبيعتها :
يتضح من هذا الشرط أن القانون 116.12 فرض على الطلبة الراغبين في الاستفادة من التغطية الصحية، عدم استفادتهم من أي تغطية صحية اخرى يتوفرون عليها شخصيا أو يتوفر عليها أولياء أمورهم، باعتبارهم من ذوي الحقوق. ولمراقبة مدى تحقق هذا الشرط من عدمه أوكل المشرع للوكالة الوطنية للتأمين الصحي صلاحية التأكد من استفادة كل شخص من النظام الذي ينتمي إليه فقط، إذ يمكن لها في كل مرة طلب قائمة المؤمنين لديها وذوي حقوقهم، تفاديا لتحقق ازدواجية الاستفادة من أكثر من نظام.
المطلب الثاني : الخدمات المضمونة والمستثناة من الضمان
لمعرفة الخدمات والعلاجات التي يضمنها التأمين الإجباري الأساسي عن المرض المتعلق بالطلبة يجب أن نرجع لمقتضيات القانون 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية التي حددت مجموعة من الخدمات التي يمكن للطالب المؤمن الاستفادة منها -الفقرة الأولى-، إلا أنها بالمقابل استثنت عديد الخدمات من الضمان – الفقرة الثانية-.
الفقرة الأولى : الخدمات المضمونة “سلة العلاجات”
وفقا لتوجهات القانون 116.12 فإن الطلبة الخاضعين سيستفيدون على قدم المساواة كباقي المنخرطين من كافة العلاجات و الخدمات التي يوفرها التأمين الإجباري الأساسي عن المرض بالكيفية المنصوص عليها في مدونة التغطية الصحية .
وبالرجوع لمقتضيات هذه المدونة نجدها تحدد في المادة السابعة الخدمات التي تضمن في إطار التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، بحيث يضمن هذا الأخير تغطية للمخاطر ومصاريف الخدمات الطبية الناجمة عن مرض أو حادثة أو ولادة أو تأهيل طبي عضوي أو وظيفي، مع الإشارة إلى أن الأخطار الناجمة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية التي قد يتعرض لها الطالب في حالة ممارسته لمهنة معينة في إطار عقد شغل تظل خاضعة للنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بها.
ويخول التأمين الإجباري الأساسي عن المرض طبقا للشروط والكيفيات المحددة بنص تنظيمي، الحق في إرجاع مصاريف العلاجات الطبية والوقائية ومصاريف إعادة التأهيل التي تستلزمها طبيا الحالة الصحية للمستفيد، وعند الاقتضاء، تحمل تكاليفها مباشرة، والمتعلقة بالخدمات التالية :
– العلاجات الوقائية والطبية المرتبطة بالبرامج ذات الأولوية المندرجة في إطار السياسة الصحية للدولة؛
– أعمال الطب العام والتخصصات الطبية والجراحية؛
– العلاجات المتعلقة بتتبع الحمل والولادة وتوابعها؛
– العلاجات المتعلقة بالاستشفاء والعمليات الجراحية بما في ذلك أعمال الجراحة التعويضية؛
– التحاليل البيولوجية الطبية؛
– الطب الإشعاعي والفحوص الطبية المصورة؛
– الفحوص الوظيفية؛
– الأدوية المقبول إرجاع مصاريفها،
– أكياس الدم البشري ومشتقاته؛
– الآلات الطبية وأدوات الإنغراس الطبي الضرورية لمختلف الأعمال الطبية والجراحية، أخذا في الاعتبار طبيعة المرض أو الحادثة ونوعية هذه الآلات والأدوات؛
– الأجهزة التعويضية والبدائل الطبية المقبول إرجاع مصاريفها؛
– النظارات الطبية؛
– علاجات الفم والأسنان؛
– تقويم الأسنان بالنسبة للأطفال([11])؛
– أعمال التقويم الوظيفي والترويض الطبي؛
– الأعمال شبه الطبية؛
الفقرة الثانية : الخدمات المستثناة من الضمان
استثنت المادة الثامنة من مدونة التغطية الصحية بعض الخدمات من الضمان وذلك بنصها على ما يلي :
” تستثنى من نطاق الخدمات التي يضمنها التأمين الإجباري الأساسي عن المرض عمليات الجراحة التجميلية والعلاج بالحامات والوخز بالإبر والميزوتيرابيا والعلاج بمياه البحر والطب التجانسي والخدمات المقدمة في إطار ما يسمى بالطب الهادئ”.
يتضح من خلال المادة أعلاه أن المشرع المغربي سار على نفس نهج نظيره الفرنسي وذلك من خلال استثناءه لبعض الخدمات من نطاق الضمان الذي يخوله التأمين الصحي الفرنسي.
وفي هذا الإطار يتجاذب هذه المسألة من الفقه تياران :
تيار محافظ يرى بكون المشرع المغربي قد أحسن صنعا عندما نص على هذه الاستثناءات، وذلك لكون هذه الخدمات تتعلق بدرجة اهتمام كل شخص بصحته، كما أن هذه العلاجات قد تتعارض أهدافها في أحيان كثيرة مع مبادئ الشريعة الإسلامية، علاوة على أن الفرد يمكنه أن يعيش بدونها مادامت تنصرف الى الكماليات .
بينما نجد تيارا اخر أكثر انفتاحا ذهب للقول بعدم توفق المشرع المغربي عندما أستثنى هذه العلاجات من الضمان، وحجتهم في ذلك أن هذه الاستثناءات قد تكون سببا في حرمان الشخص من حقه في تقويم العيوب و التشوهات التي تلحقه في حالة تعرضه لحادث خطير، فالفرد مثلا الذي يتعرض لحادث سير أو حريق أصيب على إثره بحروق خطيرة على مستوى الوجه، لا يستطيع اللجوء الى عيادات التقويم والتجميل لمحو آثار هذه الحروق أو على الأقل للتخفيف من أثرها، نظرا لما تعرفه هذه العمليات من تقنية عالية و أجهزة متطورة يواكبها بالمقابل ارتفاع ملحوظ في مبالغ الأدوية و خدمات الاستشفاء، وبالتالي كان على المشرع المغربي الأخذ بعين الاعتبار كل الوقائع التي من شأنها أن تطرأ على صحة المؤمن وهيئته، ومن ثم فالأولى به أن ينص على الخدمات المضمونة، ويترك تقدير الحالات المستثناة من الضمان للخبرة الطبية.
وفيما يخص الخدمات المتعلقة بالعلاج بالحامات وخلافا لتوجه المشرع المغربي نجد أن قانون التأمين الإجباري عن المرض في تونس يضمن الخدمات المتعلقة بالحامات سواء في إطار الصندوق الوطني للتقاعد والاحتياط الاجتماعي أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على حد السواء([12]) .
المبحث الثاني: التدبير الإداري والتنظيم المالي لنظام التأمين الاجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة
يقتضي مبدأ استمرار عمل المرفق العام تمتع هذا الأخير بموارد بشرية و مالية كفيلة بضمان حسن سيره و إدارته، لذلك فإن الدولة باعتبارها مؤتمنة على حسن سير المرافق العامة غالبا ما تسند مهمة إدارة أنظمة التأمين الصحية لهيئات مجربة في المجال – المطلب الأول – ، غير أن التدبير الإداري وحده ليس كافيا لإنجاح أي نظام تأميني، بل لا بد من توفير الموارد المالية الكافية للمؤسسة المسيرة حتى تتحمل أعباء وتكاليف تدبير التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة – المطلب الثاني – .
المطلب الأول : التدبير الإداري
ضمانا للتدبير الجيد لنظام التأمين الإجباري عن المرض الخاص بالطلبة فإن المشرع المغربي منح صلاحية إدارة وتسيير هذا النظام للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي نظرا لتجربته الرائدة في إدارة التأمينات الصحية – الفقرة الأولى- ، كما أوكل القانون 116.12 لأشخاص القانون العام والخاص الخاضعين لهذا القانون من مؤسسات للتعليم العالي و التكوين المهني المعنية بالأمر مهمة تبليغ الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي بلائحة لجميع الطلبة المقيدين لديها و المؤهلين للاستفادة من نظام التأمين الاجباري الأساسي عن المرض الخاصة بالطلبة كما يتعين على هذه المؤسسات تحصيل مبالغ الاشتراكات المستحق ادائها على الطلبة لفائدة الجهة المكلفة بالتدبير -الفقرة الثانية- .
الفقرة الاولى : الجهة المكلفة بتدبير نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة
لقد أولى المشرع المغربي بمقتضى المادة 18 من القانون 116.12 مهمة تدبير التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي ، ويجد هذا الاختيار اساسه لكون هذا الأخير راكم زخما معرفيا مهما في مجال تدبير التأمينات الصحية.
غير أنه طبقا للمادة 19 من نفس القانون فإنه يمكن للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي أن يفوض تحت مسؤوليته إلى مؤسسة عمومية أو إلى شخص اعتباري من أشخاص القانون العام أو الخاص جزءا من المهام الموكولة له وفق اتفاقيات يصادق عليها مجلسه الإداري.
ونشير إلى أن تدبير التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة من قبل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي يتم بكيفية مستقلة عن كل تغطية صحية أخرى يقوم بها.
ويتولى تسيير هذا النظام مجلس إدارة يتكون من عدة ممثلين، وتتميز تركيبة مجلس إدارة الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي المكلف بتدبير نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة بتكوين خاص مغاير لتكوين المجلس المكلف بتدبير نظام التأمين الإجباري عن المرض لفائدة المأجورين وأصحاب المعاشات بالقطاع العام، ويتكون مجلس الإدارة المذكور بالإضافة إلى رئيسه من الأعضاء الآتيين:
- سبعة ممثلين عن الإدارة
- ممثل واحد عن الوكالة الوطنية للتأمين الصحي
- ممثل واحد عن المكتب الوطني للأعمال الجامعية الاجتماعية والثقافية
- ممثل واحد عن مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل
ويعين عضو نائب لكل عضو رسمي، كما أن المجلس يجتمع مرتين في السنة على الأقل ويمكنه عقد اجتماعات استثنائية كلما استلزمت الظروف ذلك .
ويشترط لصحة مداولات مجلس الإدارة أن يحضرها ما لا يقل عن ثلثي الأعضاء. وفي حالة عدم توافر هذا النصاب، يوجه الرئيس الدعوة إلى المجلس لعقد اجتماع ثان خلال الخمسة عشر يوما الموالية على أبعد تقدير، وفي هذه الحالة، يتداول المجلس بصورة صحية مهما كان عدد الأعضاء الحاضرين. وتتخذ مقررات المجلس بأغلبية أصوات الأعضاء الحاضرين، وفي حالة تعادلها يكون صوت الرئيس مرجحا([13]).
و زيادة على المهام المسندة له([14]) في تدبير نظام التأمين الاجباري الأساسي عن المرض لفائدة المأجورين واصحاب المعاشات بالقطاع العام، يختص مجلس إدارة الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي بالنظر في جميع المسائل المتعلقة بتدبير نظام التامين الاجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة ويقوم بالبث في القضايا المرتبطة بذلك.
ومن خلال استقراءنا لمواد مدونة التغطية الصحية تبين لنا أن الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي تقع على عاتقه مجموعة من المهام التي يجب عليه أن يقوم بها في إطار تدبيره للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض، والتي تبدو كثيرة ومتشابكة.
الفقرة الثانية : الجهات المكلفة بتسجيل الطلبة وتحصيل الاشتراكات لفائدة الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي
ألزم المشرع الشخص الخاضع للقانون العام أو الخاص التابعة له إحدى المؤسسات التي يتابع بها الطالب دراسته، القيام لدى الهيأة المكلفة بالتدبير – الصندوق الوطني لمنضمات الاحتياط الاجتماعي- بتسجيل جميع الطلبة المقيدين لدى المؤسسة المؤهلين للاستفادة من نظام التأمين الاجباري الأساسي عن المرض الخاصة بالطلبة.
ويتعين على كل مؤسسة التبليغ الدوري إلى الهيأة المكلفة بالتدبير قائمة بأسماء الطلبة تتضمن، عند الاقتضاء، مبلغ الاشتراكات المستحقة، مع الزامها بدفع الاشتراكات المستحق أداؤها على الطلبة بشكل منتظم، وفي حالة مخالفة ذلك، يجوز للطلبة اللجوء إلى الإدارة الممثلة في مصالح وزارة الصحة التي تأمر الشخص المذكور بتسوية وضعيته خلال أجل 30 يوما، وفي حالة التخلف عن تطبيق ذلك، تبقى المؤسسة مدينة بالاشتراكات المستحقة، ابتداء من تاريخ استحقاقها للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، مضاف إليها نسبة %1 في المائة عن كل شهر أو جزء شهر من التأخير.
ولوقف أي تلاعبات بخصوص تحديد لوائح الطلبة المرشحين للاستفادة من هذا النظام، فإن القانون يعاقب بالغرامة، كل شخص يمتنع عن تبليغ القوائم المنصوص عليها أو عن الإدلاء عمدا بتصاريح كاذبة لدى الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي أو لدى الأشخاص المكلفين بالتحقق من الالتزام بإجبارية التأمين عن المرض . وبالموازاة مع ذلك، يعطي القانون للطلبة المعنيين الحق في اللجوء إلى القضاء المختص قصد الحصول على التعويض عن الأضرار الناتجة عن الخدمات التي وقع حرمانهم من الاستفادة منها. كما يمنح القانون للطلبة، الذين أغفل تسجيلهم، الحق في طلب تسجيل مباشرة لدى الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي.
ونشير إلى أن حق الطالب في الخدمات يمكن أن يتوقف بقوة القانون في عدة حالات نذكر من أبرزها :
- إذا لم يتوصل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي بمبلغ الاشتراك المستحق الخاص به.
- عندما تبلغ الوكالة الوطنية للتأمين الصحي أو الطالب عن استفادته من تغطية صحية أساسية أخرى، إما بصفته الشخصية أو بكونه من ذوي حقوق شخص مؤمن.
- في حالة انقطاع عن الدراسة، لفترة تزيد على 6 أشهر، لأسباب غير المرض أو الحمل أو تعرض الطالب لحادثة أو صدور قرار إداري مؤقت أو إحالة على القضاء([15]).
غير أن وقف الخدمات لا يتم تلقائيا عند تحقق هذه الحالات بل يجب على الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي أن يقوم بمجرد علمه بإحدى هذه الحالات المذكورة بإخبار الطالب بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل بالتغيير الذي هم وضعيته، وعند انصرام جل ثلاثين 30 يوما من تاريخ توجيه الرسالة المذكورة دون تمكن الطالب من إثبات دفعه لمبلغ الاشتراك المستحق لفائدة الصندوق او إثبات عدم انقطاعه عن الدراسة أو عدم استفادته من تغطية صحية أساسية أخرى يتم ايقاف الحق في الخدمات .
المطلب الأول : التنظيم المالي
نظرا لكثرة وارتفاع تكاليف تسيير أنظمة التأمين الصحية الإجبارية ترصد الدولة لهذه الأنظمة مواردا مالية مهمة تكفي لسد المبالغ الضخمة التي تصرفها كتعويضات للمستفيدين .
ويمكننا أن نميز في إطار الموارد المالية التي خصصها المشرع لتدبير نظام التأمين الإجباري الخاص بالطلبة بين نوعين من الموارد موارد عامة –الفقرة الاولى- وموارد خاصة –الفقرة الثانية-.
الفقرة الاولى : الموارد العامة للنظام
خلافا للتأمين الاجباري الأساسي عن المرض المطبق على الموظفين و المأجورين و أصحاب المعاشات الذي يعتمد أساسا على واجبات الاشتراكات والاقتطاعات من المنبع([16]) ،فإن التأمين الإجباري الخاص بالطلبة وبالرغم من أنه يمول أيضا من اشتراكات طلبة التعليم العالي والتكوين المهني الخاص إلا أن الجزء الأهم من موارده المالية تستخلص من الميزانية العامة للدولة.
و تشمل الموارد العامة لهذا النظام المصادر الآتية :
- مساهمة الدولة : نصت الفقرة الأولى للمادة 10 من القانون116.12 على الآتي :
“……تتحمل الدولة المساهمة السنوية التي تمثل المبلغ الاجمالي لاشتراكات طلبة المؤسسات المشار اليها في المادة 3 التابعة للقطاع العام… “
وبالتالي فإن التأمين الإجباري عن المرض الخاص بالطلبة يجد مصدر تمويله الأساسي في مساهمة الدولة التي تصرف من الميزانية العامة بمقتضى قانون المالية على عكس التأمينات الصحية الاخرى الخاصة بالمأجورين و الموظفين التي تعتمد على واجبات الاشتراك كمصدر تمويلي بالدرجة الاولى ([17]).
- العائدات المالية .
- جميع الموارد الأخرى التي يمكن أن ترصد للنظام بموجب نصوص تشريعية أو تنظيمية : أغلب أنظمة التأمين الصحية في دول العالم لا تكفيها الاشتراكات كمورد رئيسي لتسديد حاجيات الضمان الاجتماعي، ومن هذا المنطلق عمدت بعض التشريعات المقارنة إلى التنصيص على موارد جديدة لفائدة أجهزة التغطية الصحية، حيث أحدث المشرع الفرنسي ما يسمى بالمساهمة الاجتماعية المعممة « contribution social généralisée »، بمقتضى الفصول من 127 إلى 135 من القانون المالي لسنة 1991 وهي تفرض على الأشخاص الذين لهم محل إقامة في فرنسا أو مصالح اجتماعية أو الذين يباشرون نشاطا مهنيا فوق التراب الفرنسي. ولتجدد مبلغ هذه المساهمة في 1,1 % من الدخل، غير أن، هذا المبلغ قد ارتفع سنة 1993 إلى 2,4 % .
وإلى جانب هذه المساهمة توجد موارد أخرى إضافية، والتي تتحدد في 15% من قسط التأمين على السيارات، وتدفع هذه المبالغ من طرف شركات التأمين إلى الوكالة المركزية لأجهزة الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى رسم على الكحول الذي يخصص لفائدة صندوق تأمين المرض بالنظر إلى الأخطار التي تنجم عن تعاطي المواد الكحولية على صحة الإنسان، وأخيرا الرسم المفروض على الشركات الصناعية للأدوية والمحدد بنسبة 5% من مصاريف إشهار الأدوية([18]).
ويرى بعض الباحثين([19]) أن تخوف المشرع المغربي من فرض مثل هذه الموارد على أٍرباب العمل يعود بالأساس إلى هاجس الضغط الضريبي المرتفع الذي يهدد الاستثمار مادام المغرب يسعى إلى زيادة فرص الاستثمار سواء منه الداخلي أم الخارجي عكس التشريع الفرنسي الذي ساعدته الظروف الاقتصادية و الاجتماعية الملائمة لإلزام المقاولات والشركات بتأدية مساهمات خاصة تنعش بها صناديق نظام التأمين الصحي بفرنسا، ولعل هذا الأمر من أهم أسباب تصنيف نظام التغطية الصحية الفرنسي من بين أفضل أنظمة التأمين الصحية بالعالم .
الفقرة الثانية : الموارد الخاصة للنظام
تتمثل أساسا في اشتراكات طلبة مؤسسات التعليم العالي و التكوين المهني الخاص، الهبات والوصايا، ثم الزيادات والغرامات وجزاءات التأخير المستحقة تطبيقا لمقتضيات هذا القانون .
- الاشتراكات التي يتحملها الطلبة : الأصل أن هذا النظام يقوم على مجانية الاشتراك في التغطية الصحية للطلبة، غير أن هذه المجانية تقتصر فقط على الطلبة المسجلين في مؤسسات التعليم العالي العام والتكوين المهني العام([20])، أما بالنسبة لطلبة القطاع الخاص فإن الأمر ليس كذلك، بحيث فرضت المادة 11 من القانون 116.12 على طلبة مؤسسات التعليم العالي الخاص والتكوين المهني الخاص المتوفرة فيهم الشروط القانونية أداء واجب الاشتراك الجزافي كاملا([21]). وبالرجوع لمقتضيات المرسوم رقم 2.15.657 ([22]) بتطبيق القانون رقم 116.12 فسيؤدي طلبة القطاع الخاص رسما في حدود 400 درهم، في حين ستتحمل الدولة واجب اشتراكات الطلبة بالقطاع العام.
كما أن نفس المادة ألزمت المؤسسات المعنية بمهمة تحصيل مبالغ الاشتراك المستحق أداءها على الطلبة عند تقييدهم أو عند إعادة تقييدهم ، وفي حالة تماطل هذه المؤسسات عن القيام بالتزام تحصيل واجبات الاشتراك أو أنها حصلتها لفائدتها أو امتنعت عن تأديتها لفائدة الجهاز المكلف بالتدبير فإنها تعتبر في جميع الأحوال مدينة في الاشتراكات التي يتحملها الطلبة اتجاه الصندوق الوطني للاحتياط الاجتماعي .
- الهبات والوصايا([23]).
- الزيادات والغرامات و جزاءات التأخير المستحقة تطبيقا لمقتضيات هذا القانون : و هي غرامات وردت في الباب السابع من القانون 116.12 المخصص للعقوبات ونذكر من بين هذه الغرامات ما نصت عليه المادة 26 التي أحالت بدورها على العقوبة الواردة في المادة 132 من مدونة التغطية الصحية والتي تعاقب الشخص الخاضع للقانون العام او الخاص من الأشخاص المحددين في المادة 13 الذي لم يقم خلال الأجل القانوني([24]) بدفع واجب الاشتراكات للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي بغرامة من 5000 إلى 50.000 درهم، علاوة على ذلك يترتب عن كل تأخير في الدفع تطبيق زيادة نسبتها %1 في المائة عن كل شهر تأخير أو جزء شهر من التأخير. وذلك دون الإخلال بحق الهيئة المكلفة بتدبير نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض في تطبيق الإجراءات والعقوبات المنصوص عليها في القانون 65.00 وفي أنظمتها الأساسية وضوابطها أو عن إقامتها دعوى قضائية لتحصيل واجب الاشتراكات المذكورة”.
خاتمة
يتبن من خلال دراسة نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة، أن هذا النظام تعتريه عدة نقائص ومن ثم لنا عليه مجموعة من الملاحظات :
- فعلى مستوى شروط الاستفادة لم يحدد المشرع موقفا صريحا بخصوص الطالب الذي يتابع دراسته في نفس السنة الجامعية بمؤسسة تعليم عالي أو تكوين مهني عمومية بالموازاة مع تسجيله بإحدى مؤسسات التعليم العالي أو التكوين المهني التابعة للقطاع الخاص. فهل سيخضع هذا الطالب لقاعدة المجانية في الانخراط و تبعا لذلك ستتحمل الدولة نسبة اشتراكه، أم أنه سيؤدي واجب الاشتراك الجزافي المنصوص عليه في المادة 9 من القانون 116.12 ؟
– قاعدة مجانية انخراط طلبة التعليم العالي و متدربي التكوين المهني العام في هذا النظام ليست مطلقة ونهائية، ذلك أن الفقرة الأخيرة للمادة 10 من القانون 116.12 أجازت للدولة إمكانية فرض مساهمة على طلبة القطاع العام المستفيدين من النظام ، وهو ما يدفعنا إلى طرح السؤال حول طبيعة هذه المساهمة؟ خاصة وأن هذه التسمية تثير بعض الاشكالات القانونية لتفسيرها، فهل يقصد بها واجب الانخراط / الاشتراك، أم أنها أداء من نوع خاص؟ كما يثار التساؤل ايضا حول الحالات التي يمكن فيها للدولة اللجوء الى فرض هذه المساهمة؟
– على مستوى الخدمات التي يقدمها هذا النظام والتي أحال فيها القانون 116.12 على مدونة التغطية الصحية، فإنها وإن كانت تشمل عددا مهما من العلاجات، إلا أنها مع ذلك لا تزال قاصرة على ضمان بعض الخدمات الأساسية، وذلك بسبب نص المشرع المغربي على مجموعة من العلاجات المستثناة من الضمان نذكر من أهمها :
- علاجات تقويم الأسنان والفكين التي يحرم منها المستفيد الذي يفوق عمره 16 سنة.
- عمليات الجراحة التجميلية بالنسبة للمستفيد الذي أصابته تشوهات جراء تعرضه لحادثة سير أو حريق أو جرح بالسلاح الأبيض…
ونشير في النهاية إلى أن المراحل المتبقية لدخول القانون رقم 116.12 حيز التطبيق تتمثل أساسا في إصدار عدد من القرارات التطبيقية من طرف الوزراء المعنيين، الوزير المكلف بالمالية (قرار واحد)، وزير الصحة (5 قرارات)، وهي مرحلة تلي المصادقة على المرسوم التطبيقي لهذا القانون، بالإضافة إلى إنجاز البوابة الإلكترونية من طرف المؤسسات الثلاث وهي مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، والمكتب الوطني للأعمال الجامعية الاجتماعية والثقافية، والوكالة الوطنية للتأمين الصحي، وكذا إطلاق حملة تواصلية لإخبار وتحسيس الطلبة ومؤسسات التعليم العالي والتكوين المهني والقطاعات المعنية بهدف ضمان انخراط الجميع في تفعيل هذا المشروع.
————–
الهوامش :
([1]) ” تعرف التغطية الصحية أو التغطية الشاملة بأنها نظام قانوني يرمي الى ضمان وصول الناس جميعاً إلى ما يلزم من الخدمات الصحية التعزيزية والوقائية والعلاجية والتأهيلية بما يكفي لأن تكون فعّالة ضد المرض والإصابات، مع ضمان ألاَّ يؤدي استفادة المؤمن هذه الخدمات والعلاجات إلى تعريض المستفيد لمصاعب مالية”
- تعريف مأخوذ عن موقع منظمة الصحة العالمية http://www.who.int، بتصرف، تاريخ الاطلاع : 2015/08/02.
” لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته. ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة. وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته…..”
([3]) جاء في مقتضيات المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المؤرخ في 16 دجنبر 1966 :
” تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوي من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه .
– تشمل التدابير التي يتعين علي الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق ، تلك التدابير اللازمة من أجل :
– خفض معدل المواليد وموتي الرضع وتأمين نمو الطفل نمواً صحياً …
– تشمل التدابير التي يتعين علي الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق ، تلك التدابير اللازمة من أجل :
– خفض معدل المواليد وموتي الرضع وتأمين نمو الطفل نمواً صحياً …
- تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض”.
([4]) ظهير شريف رقم 1.02.269 بتاريخ 25 رجب 1423، الموافق ﻠـ 3 أكتوبر بمثابة مدونة التغطية الصحية2002 ، المنشور بالجريدة الرسمية رقم 5058 بتاريخ 21 نونبر 2002.
([5]) ظهير شريف رقم 1.15.105 صادر في 18 من شوال 1436 (4 غشت 2015) بتنفيذ القانون رقم 116.12 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة، الجريدة الرسمية عدد 6384 بتاريخ 6 غشت 2015 .
([6]) يخضع التعليم العالي الخاص لمقتضيات الباب الثاني ممن القانون رقم 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي و أيضا لمجموعة من المراسيم التطبيقية وهي :
- المرسوم رقم 2.07.99 الصادر في 27 يونيو 2007 بتحديد كيفيات الترخيص لفتح وتوسيع وتغيير مؤسسات التعليم العالي الخاص
- المرسوم رقم 2.09.717 الصادر في 17 مارس 2010 بتطبيق المادتين 51 و 52 من القانون 01.00 المتعلق بتنظيم التعليم العالي
- المرسوم رقم 2.10.364 الصادر في 25 أكتوبر 2010 بشأن الترخيص بتسمية “كلية خاصة” أو “جامعة خاصة “.
([7]) تشمل مؤسسات التعليم العالي مختلف المدارس والكليات والمعاهد التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتي يشترط للولوج إليها الحصول على شهادة الباكالوريا كحد أدنى للمستوى التعليمي على غرار الكليات بمختلف أصنافها, مدارس المهندسين, المدارس العليا للتجارة والتسيير، المدارس الوطنية للعلوم التطبيقية، المدارس العليا للتكنولوجيا..
([8]) مؤسسات تكوين الأطر التابعة لقطاع وزاري أو موضوعة تحت وصايته هي مؤسسات تهتم بتكوين الأطر و الأطر العليا في مختلف المجالات و التخصصات التي تكون في الغالب لها علاقة مباشرة مع مجال تخصص الوزارة وتستهدف هذه المؤسسات تكوين أطر متخصصة للعمل في مجالات محددة. ونذكر من بين هذه المؤسسات مثلا المعهد العالي للإعلام والاتصال الخاضع لوصاية وزارة الاتصال ، المعهد العالي للدراسات البحرية التابع لوزارة التجهيز و النقل، المعهد الوطني للعمل الاجتماعي التابع وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث التابع لوزارة الثقافة…
” يشمل التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، بالإضافة إلى الشخص الخاضع لإجبارية التأمين الأساسي عن المرض برسم النظام الذي ينتمي إليه أفراد عائلته الموجودين تحت كفالته، شريطة أن لا يكونوا من المستفيدين بصفة شخصية من تأمين آخر مماثل.
ويعتبر في حكم أفراد العائلة الموجودين تحت الكفالة كل من.
- زوج أو زوجة أو زوجات المؤمن،
- الأولاد المتكفل بهم من لدن المؤمن والبالغين من العمر 21 سنة على الأكثر…
- الأطفال المتكفل بهم طبقا للتشريع الجاري به العمل…
ويمكن للمؤمن أن يطلب تمديد الاستفادة من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الذي ينتمي إليه لفائدة أبويه شريطة أن يتحمل واجب الاشتراك المتعلق بهما. ويحدد واجب الاشتراك المتعلق بالأبوين بمرسوم.”
([10]) ظهير شريف رقم 1.02.09 صادر في 15 من ذي القعدة 1422 (29 يناير 2002) بتنفيذ القانون رقم 13.01 في شأن التعليم العتيق، الجريدة الرسمية عدد 4977 بتاريخ (11 فبراير 2002)، الصفحة: 246 .
([11]) يستفيد من الضمان فيما يخص عملية تقويم الأسنان والفكين فقط الأطفال الذين لا يتجاوز عمرهم 16 سنة وذلك حسب ما هو مضمن بورقة العلاجات المتعلقة بصحة الفم والأسنان الخاصة بالصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي ، وهو ما سيحرم تلقائيا عددا مهما من الطلبة الذين يعانون من اعوجاج الأسنان او خلل في الفكين من حق الاستفادة من هذا العلاج على اعتبار أن سنهم يتجاوز 18 سنة .
([12]) Achour Ihédi, L’assurance maladie en Tunisie, publier a la couverture du risque Maladie (cas de l’Algérie, du Maroc et de Tunisie) , Hammamet -Tunisie, le 14-16 Novembre 2001, p: 108.
- أشار إليه : عيسى اطريح، التغطية الصحية “التأمين الاساسي الاجباري عن المرض نموذجا”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون التجاري المقارن، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، السنة الجامعية 2005/2006، ص: 30.
([14])نصت المادة 82 من مدونة التغطية الصحية على مجموعة من المهام التي أسندها المشرع للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي في سبيل تدبير نظام التأمين الاجباري الاساسي عن المرض و نذكر من بينها :
– تحصيل اشتراكات المنخرطين؛
– إرجاع مصاريف الخدمات المضمونة أو تحملها مباشرة،
– إبرام الاتفاقيات الوطنية مع مقدمي الخدمات الطبية وفق الشروط المحددة في القانون؛
– إعداد الحسابات المتعلقة بتدبير نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض…
([16]) تقتطع اشتراكات الموظفين من المنبع، و بالنسبة للمأجورين فيدفعها المشغل إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وفق الشروط والإجراءات المحددة بنص تنظيمي.
([17]) برسم السنة الجامعية لسنة 2015/ 2016 و حسب تصريحات الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي السيدة سمية بن خلدون سيبلغ عدد طلبة القطاع العام الذين ستتحمل الدولة واجبات اشتراكهم حوالي 260 ألف طالب بكلفة قدرت بحوالي 120 مليون درهم.
([18]) عيسى اطريح، التغطية الصحية “التأمين الأساسي الإجباري عن المرض نموذجا”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون التجاري المقارن، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، السنة الجامعية 2005/2006، ص:80.
([20]) نشير في هذا الصدد إلى أن قاعدة مجانية انخراط طلبة التعليم العالي العام و التكوين المهني العام في هذا النظام ليست مطلقة ونهائية، بحيث أن الفقرة الأخيرة للمادة 10 من القانون 116.12 أجازت للدولة إمكانية فرض مساهمة على طلبة القطاع العام المستفيدين من النظام بحيث نصت المادة 10 من القانون116.12 على الاتي :
“…… تتحمل الدولة المساهمة السنوية التي تمثل المبلغ الإجمالي لاشتراكات طلبة المؤسسات المشار اليها في المادة 3 التابعة للقطاع العام. غير أنه يمكن ان يطلب من هؤلاء الطلبة تحمل مساهمة وفقا للشروط والكيفيات المحددة بنص تنظيمي “. ليبقى السؤال مطروحا حول طبيعة هذه المساهمة خاصة وأن هذه التسمية تثير بعض الاشكالات القانونية فهل يقصد بها واجب الانخراط / الاشتراك أم أنها أداء من نوع خاص؟ كما يثار التساؤل أيضا حول الحالات التي يمكن فيها للدولة اللجوء إلى فرض هذه المساهمة؟
([21]) تجدر الإشارة إلى أن الالتزام بأداء واجب الاشتراك الجزافي يشمل أيضا الطلبة الذين يتابعون الدراسة في مسالك تكوين مؤدى عنها بمؤسسات للتعليم العالي أو للتكوين المهني التابعة للقطاع العام او لمؤسسات تابعة لقطاع وزاري او موضوعة تحت وصايته .
([22]) المادة 5 من المرسوم رقم 2.15.657 صادر في 18 من ذي القعدة 1436 (3 شتنبر 2015) بتطبيق القانون رقم 116.12 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة، الجريدة الرسمية عدد 6395 ذو القعدة 1436 (14 شتنبر 2015) .
([23]) نشير في هذا الصدد الى أن نفاذ الهبات والوصايا يتوقف على قبول الموهوب له أو الموصى له للهبة أو الوصية، وللمزيد من التفصيل في الموضوع يراجع :
- عبد الرحمن بلعكيد، الهبة في الفقه والقانون ، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، طبعة 1997، ص:177 وما بعدها.
[24]) ) المحدد في الخمسة عشر يوما الموالية لتقييد أو إعادة تقييد الطالب وذلك حسب المادة السابعة من المرسوم رقم 2.15.657 المتعلق بتطبيق القانون رقم 116.12 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة.
دراسة تحليلية نقدية لمقتضيات القانون 116.12 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالطلبة
Reviewed by Unknown
on
3:21:00 م
Rating:
ليست هناك تعليقات: